منتدى الاتحاد العربي للاعلام الالكتروني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الحائط / قصة قصيرة: حسين راشد

اذهب الى الأسفل

الحائط / قصة قصيرة: حسين راشد Empty الحائط / قصة قصيرة: حسين راشد

مُساهمة من طرف الأمانة العامة الأربعاء يوليو 09, 2008 6:20 pm

الحائط
قصة: حسين راشد*
.. يداه المرتفعتان للسماء تحمله كأنه طائر .. وكمن فقد جناحيه وقف يناجي السماء أن ترزقه بأجنحة بديلة.. وقفته الطويلة أمام الحائط جعلته يبكي بحرقة .. فتتناثر دموعه .. تطير في الهواء .. فترشق المارة بلدغات تصل حلقومهم ..
تشق الدموع مجراها على خدود المارة .. وهم ينظرون إليه في تعجب من أمره ..فهذا الحائط لم يكن هدفاً من أهداف بنائه أن يبكى عليه .. وهو لا تظهر عليه أي علامات تدل على أنه ممن يبكون على الحائط المزعوم .. بل إن كل ملامحه تدل على أنه منهم هم .. فالشال العربي الذي يلتف حول رقبته و يحمي رأسه من لهيب الشمس يفقد المزاعم الأخرى.
الأسرة التي استوقفتها ابنتهم الصغيرة سائلة عن سر بكاء هذا الرجل .. فتفيض أعينهم بكاءاً ..
ببراءة الطفولة تسأل : لماذا يبكي هذا العم يا أبي ؟ ولماذا تبكي أنت الآخر ..
في غرغرة عينيه طرف إجابة باهتة .. سرعان ما تماسك كي يرد على ابنته على هذا السؤال الصعب.
فيتداخل أخيها الشاب مردفاً : إنه يبكي لأنه لم يستطع بناء جدار مثله.!
ينظر إليه الأب في عنفوان و صرامة .. فتعاود الصغيرة أسئلتها المحرجة .. أحقا يا أبي ما قاله أخي ؟
فليذهب وليصنع له حائطاً أو جداراً أمام بيته ليبكي عليه دون أن يلهب مشاعر المارة ..!!!
يلتفت الأب لهما و ويقول لابنه في غضب لا تعطي أختك معلومات خاطئة .. غدا ستكبر وتعرف حجم المأساة.. وستراك حينها بشكل المخادع الكاذب.. احذر.. كفانا كذب على أنفسنا..
يبتسم الشاب ويقول لأبيه: أنا لم أكذب عليها يا والدي... فجميعنا كنا نتمنى لو أننا صنعنا جداراً كبيراً مثله نحمي به أنفسنا.. بدلا من أن يصنعوا هم الجدار لنبكي نحن عليه.
الطفلة الصغيرة مشغولة بالرجل الباكي على الحائط الأسمنتي الكبير وفي غفلة من أسرتها تفر إلى حيث مكان الرجل... وهو لا يرى أحداً ولا يسمع أحداً.. وكأنه هائم مع السماء يلتصق بالحائط..
جذبته من بنطاله وهي رافعة رأسها لأعلى كي تراه جيداً.. لم يلتفت إليها الرجل.. فقد ظن في البداية أن من يجذبه قد يكون أحد كلاب باني هذا الجدار الذي فصل بينه وبين من يحب. تلك الحيوانات الشرسة التي يستخدمها ليبعد الأحباء عن بعضهم البعض..
صرخت الصغيرة فيه قائلة: أصحيح يا عمي أنك تبكي لأنك لم تستطع بناء جدار مثله؟
التفت الرجل إلى الصوت الآتي.. وكأنه خرق مسامعه.. وترددات الصوت تحفر بقلبه تنهدات مرتبكة.
تقع دموعة التي تصلبت على الرمال الساخنة فيشعر بطراوة كلمات الصغيره تشق مجراها نحو فؤاده..
فقال لها في تعجبه الذي لم يفارقه: ماذا قلت يا بنيتي؟
فأعادت السؤال..
هز رأسه مرات ومرات.. وكأنه يرجها كي تتقلب حروفها في رأسه ليبحث عن إجابة..
ثم التفت لها قائلاً.. من قال لك هذا؟
- أخي قال هذا حين سألته عن سر بكائك.. أليس هذا صحيحاً؟
الأسرة تترقبها من بعيد.. فهي دائمة البحث عن إجابة لأسئلتها.. وهي لا تستريح سوى حين تعرف الحقيقة من مصدرها..
أومأ الرجل.. ثم قال قد يكون.. ولكن هناك فرق بنيتي بين أن أبني جداراً لأحمي به أرضي و أحيط بها أحبابي لأدافع عنهم من شرور المعتدي.. وبين أن يأتي مغتصب ليبني جداراً يفصل بيني وبين أحبابي وأخوتي..
فحتى لو كنت أبك لأنني لم أستطع بناء جدار.. فلن يكون ذاك الجدار مثل هذا..
مدت الصغيرة يدها لتصافحه.. فارتسمت البسمة على وجهه.. حين لمس أناملها تفجرت بداخله قوة لم يشعر بها من قبل.. فأسرع يركل الجدار بقدميه..
وقف جميع المارة ينظرون إليه بتعجب.. يلملمون دموعهم فأشارت الصغيرة له كي يحملها فحملها.. وقفت تشير إلى الجدار.. وتلمع عينيها الصغيرتين فتنفجر دموعها.. لتلامس الجدار فتحدث ثقب صغير فيه.. يقف الجميع يتأملون المشهد احتدمت الأصوات الشاحبة.. وكأن ترنيمات الحزن تتعالى شيئاً فشيئاً.. و تجمعت الدموع المتحجرة في المقل السائرة على عكاز من ريش الحمام المقتول.. هب الجميع على الحائط حاملين دموعهم التي تبحث عن الفوران.. وفي أعينهم مزيج من الفوران والانقباض..
وفي لحظة صدق مع النفس التصق الجميع ببعضهم البعض.. فأشارت السماء لهم بابتسامة الاستجابة.. وبدأوا في بناء جدار صلب فدكوا به ذاك الجدار..
الأمانة العامة
الأمانة العامة
Admin

عدد الرسائل : 68
سبب الانضمام : مؤسس الاتحاد
تاريخ التسجيل : 06/07/2008

https://auem.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى